فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قرأ ابن عامر ونافع {يَرْتَدِدْ} بدالين، والباقون بدال واحدة مشددة، والأول: لإظهار التضعيف، والثاني: للإدغام.
قال الزجاج: إظهار الدالين هو الأصل لأن الثاني من المضاعف إذا سكن ظهر التضعيف، نحو قوله: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} [آل عمران: 140] ويجوز في اللغة: إن يمسكم. اهـ.
قال الفخر:
روى صاحب الكشاف أنه كان أهل الردة إحدى عشرة فرقة: ثلاث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
بنو مدلج: ورئيسهم ذو الحمار، وهو الأسود العنسي، وكان كاهنًا ادعى النبوّة في اليمن واستولى على بلادها، وأخرج عمال رسول الله، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل وسادات اليمن، فأهلكه الله على يد فيروز الديلمي بيته فقتله، وأخبر رسول الله بقتله ليلة قتل، فسر المسلمون، وقبض رسول الله من الغد وأتى خبره في آخر شهر ربيع الأول.
وبنو حنيفة قوم مسيلمة، ادعى النبوّة وكتب إلى رسول الله: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله أما بعد فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك، فأجابه الرسول: من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب: أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، فحاربه أبو بكر بجنود المسلمين، وقتل على يدي وحشي قاتل حمزة، وكان يقول: قتلت خير الناس في الجاهلية وشر الناس في الإسلام، أراد في جاهليتي وفي إسلامي.
وبنو أسد قوم طليحة بن خويلد: ادعى النبوّة، فبعث إليه رسول الله خالدًا، فانهزم بعد القتال إلى الشام ثم أسلم وحسن إسلامه.
وسبع في عهد أبي بكر: فزارة قوم عيينة بن حصن، وغطفان قوم قرة بن سلمة القشيري، وبنو سليم قوم الفجاءة بن عبد يا ليل، وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة، وبعض بني تميم قوم سجاح بنت المنذر التي ادعت النبوّة وزوجت نفسها من مسيلمة الكذاب، وكندة قوم الأشعث بن قيس، وبنو بكر بن وائل بالبحرين قوم الحطم بن زيد، وكفى الله أمرهم على يد أبي بكر.
وفرقة واحدة في عهد عمر: غسان قوم جبلة بن الأيهم، وذلك أن جبلة أسلم على يد عمر، وكان يطوف ذات يوم جارًا رداءه، فوطىء رجل طرف ردائه فغضب فلطمه، فتظلم إلى عمر فقضى له بالقصاص عليه، إلا أن يعفو عنه، فقال: أنا أشتريها بألف، فأبى الرجل، فلم يزل يزيد في الفداء إلى أن بلغ عشرة آلاف، فأبى الرجل إلا القصاص، فاستنظر عمر فأنظره عمر فهرب إلى الروم وارتد. اهـ.

.قال القرطبي:

{مَنْ يَرْتَدَّ} وهذا من إعجاز القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم: إذ أخبر عن ارتدادهم ولم يكن ذلك في عهده وكان ذلك غيبًا، فكان على ما أخبر بعد مدّة، وأهل الرّدة كانوا بعد موته صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: لما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب إلا ثلاثة مساجد؛ مسجد المدينة، ومسجد مكة، ومسجد جُؤَاثى، وكانوا في ردتهم على قسمين: قسم نبذ الشريعة كلها وخرج عنها، وقِسم نبذ وجوب الزكاة واعترف بوجوب غيرها؛ قالوا نصوم ونصلي ولا نزكي؛ فقاتل الصدّيق جميعهم، وبعث خالد بن الوليد إليهم بالجيوش فقاتلهم وسَبَاهم؛ على ما هو مشهور من أخبارهم. اهـ.

.قال الفخر:

معنى الآية: يا أيها الذين آمنوا من يتول منكم الكفار فيرتد عن دينه فليعلم أن الله تعالى يأتي بأقوام آخرين ينصرون هذا الدين على أبلغ الوجوه.
وقال الحسن رحمه الله: علم الله أن قومًا يرجعون عن الإسلام بعد موت نبيّهم، فأخبرهم أنه سيأتي بقوم يحبهم ويحبونه، وعلى هذا التقدير تكون هذه الآية إخبارًا عن الغيب، وقد وقع المخبر على وفقه فيكون معجزًا. اهـ.
قال الفخر:
اختلفوا في أن أولئك القوم من هم؟ فقال علي بن أبي طالب والحسن وقتادة والضحاك وابن جريح: هم أبو بكر وأصحابه لأنهم هم الذين قاتلوا أهل الردة.
وقالت عائشة رضي الله عنها: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب، واشتهر النفاق، ونزل بأبي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها.
وقال السدي: نزلت الآية في الأنصار لأنهم هم الذين نصروا الرسول وأعانوه على إظهار الدين.
وقال مجاهد: نزلت في أهل اليمن.
وروي مرفوعًا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية أشار إلى أبي موسى الأشعري وقال: «هم قوم هذا» وقال آخرون: هم الفرس لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن هذه الآية «ضرب بيده على عاتق سلمان» وقال: هذا وذووه، ثم قال: «لو كان الدين معلقًا بالثريا لناله رجال من أبناء فارس».
وقال قوم: إنها نزلت في علي عليه السلام، ويدل عليه وجهان: الأول: أنه عليه السلام لما دفع الراية إلى علي عليه السلام يوم خيبر قال: «لأدفعن الراية غدًا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» وهذا هو الصفة المذكورة في الآية.
والوجه الثاني: أنه تعالى ذكر بعد هذه الآية قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين ءامَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكواة وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55] وهذه الآية في حق علي، فكان الأولى جعل ما قبلها أيضًا في حقه، فهذه جملة الأقوال في هذه الآية. اهـ.
قال الفخر:
ولنا في هذه الآية مقامات:
المقام الأول: أن هذه الآية من أدل الدلائل على فساد مذهب الإمامية من الروافض، وتقرير مذهبهم أن الذين أقرنا بخلافة أبي بكر وإمامته كلهم كفروا وصاروا مرتدين، لأنهم أنكروا النص الجلي على إمامة علي عليه السلام فنقول: «لو كان كذلك لجاء الله تعالى بقوم يحاربهم ويقهرهم ويردهم إلى الدين الحق» بدليل قوله: {من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم} إلى آخر الآيه وكلمة من في معرض الشرط للعموم، فهي تدل على أن كل من صار مرتدًا عن دين الإسلام فإن الله يأتي بقوم يقهرهم ويردهم ويبطل شوكتهم، فلو كان الذين نصبوا أبا بكر للخلافة كذلك لوجب بحكم الآية أن يأتي الله بقوم يقهرهم ويبطل مذهبهم، ولما لم يكن الأمر كذلك بل الأمر بالضد فإن الروافض هم المقهورون الممنوعون عن إظهار مقالاتهم الباطلة أبدًا منذ كانوا علمنا فساد مقالتهم ومذهبهم، وهذا كلام ظاهر لمن أنصف.
المقام الثاني: أنا ندعي أن هذه الآية يجب أن يقال: إنها نزلت في حق أبي بكر رضي الله عنه والدليل عليه وجهان: الأول: أن هذه الآية مختصة بمحاربة المرتدين، وأبو بكر هو الذي تولى محاربة المرتدين على ما شرحنا، ولا يمكن أن يكون المراد هو الرسول عليه السلام لأنه لم يتفق له محاربة المرتدين، ولأنه تعالى قال: {فَسَوْفَ يَأْتِى الله} وهذا للاستقبال لا للحال، فوجب أن يكون هؤلاء القوم غير موجودين في وقت نزول هذا الخطاب.
فإن قيل: هذا لازم عليكم لأن أبا بكر رضي الله عنه كان موجودًا في ذلك الوقت.
قلنا: الجواب من وجهين: الأول: أن القوم الذين قاتل بهم أبو بكر أهل الردة ما كانوا موجودين في الحال، والثاني: أن معنى الآية أن الله تعالى قال: فسوف يأتي الله بقوم قادرين متمكنين من هذا الحراب، وأبو بكر وإن كان موجودًا في ذلك الوقت إلا أنه ما كان مستقلًا في ذلك الوقت بالحراب والأمر والنهي، فزال السؤال، فثبت أنه لا يمكن أن يكون المراد هو الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يمكن أيضًا أن يكون المراد هو علي عليه السلام، لأن عليًا لم يتفق له قتال مع أهل الردة، فكيف تحمل هذه الآية عليه.
فإن قالوا: بل كان قتاله مع أهل الردة لأن كل من نازعه في الإمامة كان مرتدًا.
قلنا: هذا باطل من وجهين: الأول: أن اسم المرتد إنما يتناول من كان تاركًا للشرائع الإسلامية، والقوم الذين نازعوا عليًا ما كانوا كذلك في الظاهر، وما كان أحد يقول: إنه إنما يحاربهم لأجل أنهم خرجوا عن الإسلام، وعلي عليه السلام لم يسمهم ألبتة بالمرتدين، فهذا الذي يقوله هؤلاء الروافض لعنهم الله بهت على جميع المسلمين وعلى علي أيضًا.
الثاني: أنه لو كان كل من نازعه في الإمامة كان مرتدًا لزم في أبي بكر وفي قومه أن يكونوا مرتدين، ولو كان كذلك لوجب بحكم ظاهر الآية أن يأتي الله بقوم يقهرونهم ويردونهم إلى الدين الصحيح، ولما لم يوجد ذلك ألبتة علمنا أن منازعة علي في الإمامة لا تكون ردة، وإذا لم تكن ردة لم يمكن حمل الآية على علي، لأنها نازلة فيمن يحارب المرتدين، ولا يمكن أيضًا أن يقال: إنها نازلة في أهل اليمن أو في أهل فارس، لأنه لم يتفق لهم محاربة مع المرتدين، وبتقدير أن يقال: اتفقت لهم هذه المحاربة ولكنهم كانوا رعية وأتباعًا وأذنابا، وكان الرئيس المطاع الأمر في تلك الواقعة هو أبو بكر، ومعلوم أن حمل الآية على من كان أصلًا في هذه العبادة ورئيسًا مطاعًا فيها أولى من حملها على الرعية والأتباع والأذناب، فظهر بما ذكرنا من الدليل الظاهر أن هذه الآية مختصة بأبي بكر.
والوجه الثاني في بيان أن هذه الآية مختصة بأبي بكر: هو أنا نقول: هب أن عليًا كان قد حارب المرتدين، ولكن محاربة أبي بكر مع المرتدين كانت أعلى حالًا وأكثر موقعًا في الإسلام من محاربة علي مع من خالفه في الإمامة، وذلك لأنه علم بالتواتر أنه صلى الله عليه وسلم لما توفي اضطربت الأعراب وتمردوا، وأن أبا بكر هو الذي قهر مسيلمة وطليحة، وهو الذي حارب الطوائف السبعة المرتدين، وهو الذي حارب مانعي الزكاة، ولما فعل ذلك استقر الإسلام وعظمت شوكته وانبسطت دولته.
أما لما انتهى الأمر إلى علي عليه السلام فكان الإسلام قد انبسط في الشرق والغرب، وصار ملوك الدنيا مقهورين، وصار الإسلام مستوليًا على جميع الأديان والملل، فثبت أن محاربة أبي بكر رضي الله عنه أعظم تأثيرًا في نصرة الإسلام وتقويته من محاربة علي عليه السلام، ومعلوم أن المقصود من هذه الآية تعظيم قوم يسعون في تقوية الدين ونصرة الإسلام، ولما كان أبو بكر هو المتولي لذلك وجب أن يكون هو المراد بالآية.
المقام الثالث في هذه الآية: وهو أنا ندعي دلالة هذه الآية على صحة إمامة أبي بكر، وذلك لأنه لما ثبت بما ذكرنا أن هذه الآية مختصة به فنقول: إنه تعالى وصف الذين أرادهم بهذه الآية بصفات: أولها: أنه يحبهم ويحبونه.